وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟
قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ :
اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ،
وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ،
وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.أخرجه أحمد (2/310 ، رقم 8081) ، والترمذي (4/551 ، رقم 2305) ، وقال : غريب ،
والبيهقى في شعب الإيمان (7/78 ، رقم 9543) .
قال الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 637 :أخرجه الترمذي ( 2 / 50 ) و أحمد
( 2 / 310 ) و الخرائطي في \" مكارم الأخلاق \" قال الشيخ الألباني :
( حسن ) انظر حديث رقم : 100 في صحيح الجامع.
الضحك من خصائص الإنسان فالحيوانات لا تضحك؛ لأن الضحك يأتي بعد نوع من الفهم
والمعرفة لقول يسمعه، أو موقف يراه، فيضحك منه.
والإسلام -بوصفه دين الفطرة- لا يتصور منه أن يصادر نزوع الإنسان الفطري إلي الضحك
والانبساط بل هو علي العكس يرحب بكل ما يجعل الحياة باسمة طيبة، ويحب للمسلم
أن تكون شخصيته متفائلة باشة، ويكره الشخصية المكتئبة المتطيرة، التي لا تنظر
إلي الحياة والناس إلا من خلال منظار قاتم أسود.
وأسوة المسلمين في ذلك هو: رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
فقد كان -برغم همومه الكثيرة والمتنوعة- يمزح ولا يقول إلا حقًا، ويحيا مع أصحابه
حياة فطرية عادية، يشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم، كما يشاركهم آلامهم
وأحزانهم ومصائبهم.
يقول زيد بن ثابت، وقد طلب إليه أن يحدثهم عن حال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
فقال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إلي فكتبته له، فكان إذا ذكرنا الدنيا
ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا،
وقال: فكل هذا أحدثكم عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ؟
(رواه الطبراني بإسناد حسن كما في مجمع الزوائد \"9/17\").
وقد وصفه أصحابه بأنه كان من أفكه الناس في. (كنز العمال برقم 18400) .
وقد رأيناه في بيته -صلي الله عليه وسلم- يمازح زوجاته ويداعبهن، ويستمع إلي
أقاصيصهن، كما في حديث أم زرع الشهير في صحيح البخاري.
ورأيناه يمزح مع تلك المرأة العجوز التي جاءت تقول له: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها: \"يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز\" ! فبكت المرأة حيث أخذت الكلام
علي ظاهره، فأفهمها: أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزًا، بل شابة حسناء
وتلا عليها قول الله تعالي في نساء الجنة: (إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارًا.
عربًا أترابًا).(الواقعة: 35-37) والحديث أخرجه الترمذي في \"الشمائل\"،
وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي،وغيرهم، وحسنه الألباني في \"غاية المرام\").
وجاء رجل يسأله أن يحمله علي بعير،
فقال له عليه الصلاة والسلام: \"لا أحملك إلا علي ولد الناقة\" ! فقال:
يا رسول الله، وماذا أصنع بولد الناقة ؟ ! -انصرف ذهنه إلي الحوار الصغير-
فقال: \"وهل تلد إلا النوق\" ؟ (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح وأخرجه أبو داود أيضًا).
وقال زيد بن أسلم: إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلي النبي -صلي الله عليه وسلم-
فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: \"ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض\" ؟ قالت:
والله ما بعينه بياض فقال: \"بلي إن بعينه بياضا\" فقالت: لا والله، فقال
-صلي الله عليه وسلم-: \"ما من أحد إلا بعينه بياض\"
(أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عبيدة
بن سهم الفهري مع اختلاف، كما ذكر العراقي في تخريج الإحياء). وأراد به البياض
المحيط بالحدقة.
وقال أنس: كان لأبي طلحة ابن يقال له أبو عمير، وكان رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
يأتيهم ويقول: \"يا أبا عمير ما فعل النغير\" ؟ (متفق عليه). لنغير كان يلعب به
وهو فرخ العصفور.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان عندي رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
وسودة بنت زمعة فصنعت حريرة -دقيق يطبخ بلبن أو دسم- وجئت به، فقلت لسودة:
كلي، فقالت: لا أحبه، فقلت: والله لتأكلن أو لألطخن به وجهك، فقالت، ما أنا بذائقته،
فأخذت بيدي من الصحفة شيئًا منه فلطخت به وجهها،
ورسول الله -صلي الله عليه وسلم- جالس بيني وبينها، فخفض لها رسول الله ركبتيه
لتستقيد مني فتناولت من الصحفة شيئًا فمسحت به وجهي !
وجعل رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يضحك.
(أخرجه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة وأبو يعلي بإسناد جيد كما في تخريج الإحياء).
وكان -صلي الله عليه وسلم- يحب إشاعة السرور والبهجة في حياة الناس،
وخصوصًا في المناسبات مثل الأعياد والأعراس.
ولما أنكر الصديق أبو بكر -رضي الله عنه- غناء الجاريتين يوم العيد في بيته
وانتهرهما، قال له \"دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد\" !
وفي بعض الروايات: \"حتى يعلم يهود أن في ديننا فسحة\".
وقد أذن للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده عليه الصلاة والسلام
في أحد أيام الأعياد، وكان يحرضهم ويقول: \"دونكم يا بني أرفدة\" !.
وكان أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان في خير قرون الأمة
يضحكون ويمزحون، اقتداءً بنبيهم -صلي الله عليه وسلم- واهتداء بهديه.
حتى إن رجلاً مثل عمر بن الخطاب -علي ما عرف عنه من الصرامة والشدة-
يروي عنه أنه مازح جارية له، فقال لها: خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام !
فلما رآها ابتأست من هذا القول، قال لها مبينًا: وهل خالق الكرام واللئام إلا الله عز وجل ؟؟
وقد ذكروا أنه كان ممن شهد العقبة الأخيرة، وشهد بدرًا وأُحدًا، والخندق، والمشاهد كلها.
روي عنه الزبير بن بكار عددًا من النوادر الطريفة في كتاب \"الفكاهة والمرح\"
نذكر بعضًا منها:
قال: وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشتري منها، ثم جاء بها
إلي النبي -صلي الله عليه وسلم-، فيقول: ها أهديته لك، فإذا جاء صاحبها يطلب
نعيمان بثمنها، أحضره إلي النبي -صلي الله عليه وسلم-، قائلا: أعط هذا ثمن متاعه،
فيقول: \"أو لم تهده لي\" ؟ فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله،
فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه.
وأخرج الزبير قصة أخري من طريق ربيعة بن عثمان قال:
دخل أعرابي علي النبي -صلي الله عليه وسلم-، وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض الصحابة
للنعيمان الأنصاري: لو عقرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلي اللحم ؟ ففعل،
فخرج الأعرابي وصاح: واعقراه يا محمد ! فخرج النبي -صلي الله عليه وسلم- فقال:
\"من فعل هذا\" ؟ فقالوا: النعيمان، فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة
بنت الزبير بن عبد المطلب، واستخفي تحت سرب لها فوقه جريد، فأشار رجل
إلي النبي -صلي الله عليه وسلم- حيث هو فأخرجه فقال له:
\"ما حملك علي ما صنعت\" ؟ قال: الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني
بذلك قال: فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك، ثم غرمها للأعرابي.
قال الزبير أيضا: حدثني عمي عن جدي قال: كان مخرمة بن نوفل قد بلغ مائة وخمس
عشرة سنة، فقام في المسجد يريد أن يبول، فصاح به، الناس، المسجد المسجد،
فأخذه نعيمان بن عمرو بيده، وتنحي به، ثم أجلسه في ناحية أخري من المسجد
فقال له: بل هنا قال: فصاح به الناس فقال: ويحكم، فمن أتي بي إلي هذا الموضع ؟!
قالوا نعيمان، قال: أما إن لله علي إن ظفرت به أن أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه
ما بلغت ! فبلغ ذلك نعيمان، فمكث ما شاء الله، ثم أتاه يومًا، وعثمان قائم يصلي
في ناحية المسجد، فقال لمخرمة: هل لك في نعيمان قال: نعم قال:
فأخذه بيده حتى أوقفه علي عثمان، وكان إذا صلي لا يلتفت فقال:
دونك هذا نعيمان، فجمع يده بعصاه، فضرب عثمان فشجه، فصاحوا به:
ضربت أمير المؤمنين، فذكر بقية القصة.
(ذكر هذه القصص الحافظ ابن حجر في ترجمة نعيمان من كتابه:
\"الإصابة\" نقلاً عن كتاب الزبير بن بكار في كتابه: \"الفكاهة والمرح\").
ولا ريب أن هناك من الحكماء والأدباء والشعراء من ذم المزاح، وحذر من سوء عاقبته،
ونظر إلي جانب الخطر والضرر فيه، وأغفل الجوانب الأخرى.
قال بعضهم: المزاح مجلبة للبغضاء، مثلبة للبهاء، مقطعة للإخاء، وقيل:
إذا كان المزاح أول الكلام كان آخره الشتم واللكام، وسئل الحجاج بن الفرية عن المزاح
فقال: أوله فرح، وآخره ترح، وهو نقائص السفهاء مثل نقائص الشعراء، والمزاح فحل
لا ينتج إلا الشر.وقال مسعر بن كدام:
أما المزاحة والمراء فدعهما * * * خلقان لا أرضاهما لصديق