بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صهيب بن سنان.. ربح البيع أبا يحيى !!
المولد والنشأة :
ولد في أحضان النعيم.. فقد كان أبوه حاكم (الأُبلَّة) وواليًا عليها لكسرى.. وكان من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الإسلام بعهد طويل، وفي قصره القائم على شاطئ الفرات - مما يلي الجزيرة والموصل- عاش الطفل ناعمًا سعيدًا.. ولم يدم تنعمه هذا طويلاً، فقد أغار الروم على بلدته، وأسر المغيرون أعدادًا كثيرةً، وسبُوا ذلك الغلام - صهيب بن سنان - وبعدها بدأ رحلته الشهيرة إلى الهداية إلى الإسلام إلى أن هداه الله تعالى إلى الحق .. وأُوذي في سبيل دينِه ودعوته الكثير ..لم يتغير ولم يزحزحه هذا الابتلاء عن دينه قيد أنملة .
وكان جوادًا معطاءً.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله .. يُعين محتاجًا.. يغيث مكروبًا، ويطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له : أراك تطعم كثيرًا حتى إنك لتسرف..؟ فأجابه صهيب : لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : ( خياركم من أطعم الطعام )
يوم هجرته :
ولقد افتتح أيام نضاله النبيل ، وولائه الجليل بيوم هجرته، ففي ذلك اليوم تخلَّى عن كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة- وهي كل ما يملك- في لحظة.. لم يشُبْه خلالها تردد ولا نكوص .
فعندما همَّ الرسول بالهجرة علم " صهيب " بها، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة، هم الرسول.. وأبوبكر.. وصهيب.. بيد أن القرشيين كانوا قد بيَّتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول.. ووقع صهيب في بعض فخاخهم، فعُوِّق عن الهجرة بعض الوقت، بينما كان الرسول وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله .
وحاور صهيب وداور، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه، وامتطى ظهر ناقته، وانطلق بها في الصحراء وثبًا.. بيد أن قريشًا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه.. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلاً : " يا معشر قريش.. لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً.. وأيمُ الله لا تصِلون إليَّ حتى أرميَ بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا إن شئتم.. وإن شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني " ، ولقد قبلوا أن يأخذوا ماله، قائلين له : أتيتنا صعلوكًا فقيرًا، فكثُر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟! فدلهم على المكان الذي خبَّأ فيه ثروته، وتركوه وشأنَه، وقفلوا إلى مكة راجعين .
والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك، وفي غير حذر، فلم يسألوه بيِّنةً.. بل ولم يستحلفوه على صدقه..!! وهذا موقف يُضفي على صهيب كثيرًا من العظمة يستحقها كونه صادقًا وأمينًا !!
واستأنف صهيب هجرته وحيدًا سعيدًا، حتى أدرك الرسول- صلى الله عليه وسلم- في قباء ..
كان الرسول جالسًا وحوله بعض أصحابه؛ حين أهلَّ عليهم صهيب ، ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهللاً : ( ربح البيع أبا يحيى..!! ربح البيع أبا يحيى..!! ) وآنئذٍ نزلت الآية الكريمة : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } [ البقرة:207] .
أجل، لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات الله بكلِّ ثروته التي أنفق شبابه في جمعها، ولم يحس قط أنه المغبون.. فما المال، وما الذهب وما الدنيا كلها، إذا بقي له إيمانه، وإذا بقيت لضميره سيادته.. ولمصيره إرادته..؟؟
مَن منا لا يريد أن يكون مثل سيدنا صهيب ؟ مَن منا لا يريد أن يقابله الرسول- صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة ويقول له : " ربح البيع يا... "........ مَن أراد هذا فليقتدِ بأبي يحيى